کد مطلب:187320 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:253

و سلاحه البکاء (16)
مضی التاریخ یشعل الحوادث هنا و هناك، و رأس الحسین علی رمح طویل یطوف المدن یتحدث بلغة الصمت.

جلس الأرقط و كان رجلا لا یعرف جده... ألقی بجسمه فوق سریر مذهب و خیل الیه انه یحكم العالم بأسره..

بین یدیه رأس مقطوع، فی طست من ذهب.

ردد الأرقط فی نفسه:

- لقد سكت الحسین سكت الی الأبد.. و ها أنا أحكم العراقین. و أردف بنفاق لكی یسمعه الآخرون:

- انها ارادة الله.. لأن كل شی ء یمضی بمشیئة الله.. و قد قتل الله الحسین.

كان الصمت ما یزال مهیمنا علی المكان.

التفت الأرقط الی فتی مكبل بالسلاسل:

- ما اسمك؟

- علی بن الحسین.



[ صفحه 55]



- ألم یقتل الله علیا؟

-..

فح كأفعی:

- مالك لا تتكلم؟

- كان لی أخ أكبر منی یدعی علیا و قد قتله الناس.

شعر الأرقط بحدة الصفعة فصرخ بغیط:

- بل قتله الله.

- الله یتوفی الأنفس حین موتها و ما كان لنفس أن تموت الا باذن الله.

اتسعت عیناه كحیة رقطاء و أشار الی الجلاد.

اعترضت زینب بغضب:

- حسبك یابن زیاد من دمائنا ما سفكت. و هل أبقیت أحدا الا هذا؟ فان أردت قتله فاقتلنی معه.

سدد الفتی نظرة احتقار:

- أما علمت ان القتل لنا عادة و كرامتنا من الله الشهادة.

نهض الأرقط و غادر المكان و لوح بسوطه فی الهواء و هتف بغرور:

- الی السجن.

تراكض الجلاوزة، كانت حركاتهم المرتبكة تنبئ عن ذعر و ذلة لنفوس انطفأت فیها جذوة الرجولة.



[ صفحه 56]



حشرت النسوة فی دار الی جانب المسجد الأعظم حولها الأرقط الی سجن، و اقتید علی بسلاسله الی الطامورة.

فتح شرطی تبدو علیه الفظاظة بابا یفضی الی دهلیز صخری تحت الأرض و مضی الحراس یشقون طریقا ملتویا ضیقا تتفرع عنه ممرات.

توقفوا عند زنزانة تشبه القبر، أمسك أحدهم بالأسیر و حشره بقسوة؛ ثم عادوا أدراجهم، و شیئا فشیئا غاب ضوء المشاعل و خفتت أصداء الخطی و غمر الظلام المكان و لم یعد یسمع سوی صدی أنفاسه.

كنبع یتدفق باردا شعر السجین بالسكینة تترقرق فی قلبه و تجری فی جوانح صدره؛ لا شی ء سوی الله.. الله وحده الحقیقة المطلقة و ما عداه أوهام و خیال. و كل من ینتمی الی الله ستكون من نصیبه الحقیقة.

مثل بوصلة فی سفینة مبحرة وسط الظلمات كان قلبه یتجه الی الله.. الی الحبیب یهتف باسمه العظیم قائلا:

- سبحانك اللهم و حنانیك..

سبحانك اللهم و تعالیت..

سبحانك اللهم و العز ازارك..

سبحانك اللهم و العظمة رداؤك..

سبحانك اللهم و الكبریاء سلطانك..



[ صفحه 57]



سبحانك من عظیم ما أعلمك!

سبحانك سبحت فی الأعلی.. تسمع و تری ما تحت الثری.

سبحانك أنت شاهد كل نجوی..

سبحانك موضع كل شكوی..

سبحانك حاضر كل ملأ.

سبحانك عظیم الرجاء.

سبحانك تری ما فی قعر الماء.

سبحانك تسمع أنفاس الحیتان فی قعور البحار.

سبحانك تعلم وزن الأرضین.

سبحانك تعلم وزن الشمس و القمر..

سبحانك تعلم وزن الظلمة و النور..

سبحانك تعلم وزن الفی ء و الهواء..

سبحانك تعلم وزن الریح كم هی من مثقال ذرة..

سبحانك قدوس قدوس..

سبحانك عجبا من عرفك كیف لا یخافك..

سبحانك اللهم و بحمدك... سبحان الله العلی العظیم.

ما أقوی الروح عندما تحلق فی سمائها.. و ما أشد صفاءها و هی تنسل من بین قضبان الجسد.. انها تنتمی الی عالم آخر.. عالم لا یمت الی عناصر التراب بشی ء.



[ صفحه 58]